21 نوفمبر 2024 | 19 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. كمال درويش: الثبات عند الشدائد من أسباب النصر والتمكين

07 مايو 2018

إن الثبات على منهاج الدين القويم هو مبتغى كل مسلم، وهمّ كل مؤمن، والاستقامة على الحق في زمن الفتن والمتغيرات ليست بالأمر اليسير، إلا على من يَسَّره الله عليه، فالمؤمنون هم أصبر الناس وأثبتهم عند الشدائد، لإدراكهم أنها سنة الله في أرضه، وأنها الاختبار العملي لصلابة الأنبياء وأصحاب الرسالات، والسائرين على دربهم.
حول قيم الصبر والثبات في حياة المسلم تحدث فضيلة الدكتور كمال محمد درويش، الداعية والمحاضر، مؤكدا أن ابتلاءات الدنيا هي سنن كونية، وهي دليل على سلامة المنهج، فكل إنسان معرض للابتلاء، لكن المحك الحقيقي هو قدرة المرء على الصبر والثبات عند تلك الشدائد والابتلاءات.
كما أن الثبات يعد سببا من أسباب النصر والتمكين، وهو الضريبة التي يؤديها المؤمن لينال الأجر والرفعة في الآخرة، مصداقا لقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [الأنفال:45]، لذلك نجد أن من ثبتوا مع النبي وتحملوا العنت والأذى، هم من قادوا الفتوحات الإسلامية بعد ذلك، فقد صنعت منهم الشدائد قادة عظام ملأوا الدنيا وفتحوا الأمصار بسم الله وتحت راية رسول الله.
من ناحية أخرى نجد أن الفتن التي تموج في مجتمعاتنا اليوم قد أخبرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أنه ستكون في آخر الزمان فتن كقطع الليل المظلم، وأن القابض على دينه حينئذ سيكون كالقابض على الجمر، ونبينا نفسه، صاحب الوحي، كان يسأل الله الثبات: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، بل أن رب العزة امتن على رسوله بذلك في قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء:74].
غير أن الناس يختلفون في مواقفهم إزاء المحن التي يتعرضون لها؛ فمنهم ذلك الصابر المحتسب، الذي وصفه الله في القرآن: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173].
ومنهم المنهزم ضعيف الإرادة الذي ينقلب عند أول ابتلاء، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:10]. والنوع الثالث هو المؤمن المتضجر الساخط على ابتلاء الله، مثله في هذا مثل أتباع نبي الله موسى الذين سخطوا على الابتلاء وقالوا له: {قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ} [الأعراف:129].
فما الذي يعين على الثبات؟
يقول فضيلة الشيخ أن أول معين على الثبات هو الدعاء؛ بل الإلحاح على الله عز وجل في الدعاء، والاستعانة به للثبات على الحق، فالدعاء هو مفتاح السماء، وحبل الوصل الذي يمده العبد بينه وبين خالقه سبحانه.
ثانيا التحصن بكتاب الله، مصداقا لقوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِين} [النحل:102].َ
ثالثا التأسي بقصص الثابتين على الحق من أنبياء الله والأئمة الصالحين.
والنموذج الأول والأمثل في الثبات هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيناه في وقت السلم في مكة يعاني من الاضطهاد والأذى، ورأيناه في وقت الحرب يعتدى عليه ويصاب في وجهه صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن موقف النبي الراسخ أمام الإيذاء والمساومة كان بمثابة درس تربوي للصحابة في معاني الثبات على المبدأ، والتمسك بالعقيدة، وعدم الضعف والخضوع للتهديدات أو المغريات.
أيضا هناك نموذج يوسف الصديق عليه السلام، الذي تعرض لفتنة إمرأة العزيز، ثم فتنة السجن، وبعدها فتنة الحكم، لكنه في كل هذا كان صلبا ثابتا على موقفه وعلى دين الله عز وجل.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت